مدينة غزة - كما ترى أمام عينيك الآن بفرشاة ألوان قديمة ومعدّات بسيطة وفكرة المبادرة، كوّنا مشهداً يجعل من الألوان ثورة لنا تنهض بوعينا وثقافتنا، وتمثّل انفتاحنا على الحياة مرّة أخرى، بعد عام على الموت والحرب والدّمار... هكذا همس محمّد الصعيدي في بداية حديثي معه عن مبادرة تلوين الحي الذي يعيش فيه، الّتي أشرق بها من خلف جدران حيّ الزيتون في شرق مدينة غزّة، والّتي قام من خلالها بتزيين أرجاء الحيّ حيث يقطن، وتلوينها بألوان زاهية تعصف بعقل أيّ زائر له عن مدى قدرة الإنسان على التغلّب على ويلات الحروب وكيف ينتصر لنفسه وإنسانيّته ويعيد ترتيب حياته ومجتمعه بالطريقة الّتي نما بها وأحبّها.
كانت البداية مع محمّد الصعيدي (54 عاماً، وهو يعمل في طلاء المنازل)، بعدما عايش بنفسه ويلات الحرب الأخيرة على غزة صيف 2014 ، وأصبح الحزن مخيّماً على أهالي القطاع، في ظلّ تردّي الأحوال المعيشيّة على كلّ الصعد، وغياب الأفق والآليّة لإعادة الإعمار والسلام إلى سكّان قطاع غزّة. بدأت فكرة تلوين الحي قبل اكثر من 7 اشهر ، حين بدأ الصعيدي العمل على ترميم عالمه الخاص، وقام من تلقاء نفسه بطلاء جدران منزله بألوان فرحة،ومتناسقة الشكل، تبعث السرور في حلّتها، فتحدّث مسترسلاً عن اللّحظة الفارقة الّتي جعلت الفكرة تنتشر في أزقة الحارة، وقال: "بعد أيّام على الانتهاء من طلاء المنزل، تفاجأت في صبيحة يوم بحضور أحد جيراني، وهو عماد نايف (43 عاماً، يعمل نجّاراً) بسؤاله لي عن إمكان نقل الفكرة وتنفيذها داخل منزله، فكانت هذه شرارة الفكرة الّتي انتقلت بسرعة من منزل إلى آخر. كنّا بمساعدة الجيران نقوم بطلاء جدران الحيّ، والجميع كان فاعلاً، ومن لا يملك الخبرة اللاّزمة ليقوم بالطلاء، كان يساعد بنقل علب الألوان، ومن لم يكن له دور كان يساهم في تقديم الشاي أو العصير إلينا أثناء العمل. حقاً، الجميع كان إيجابيّاً، ويريد أن يغيّر المشهد المحيط".