يعيش الدروز اليوم، مثلهم مثل سائر أقليّات المشرق، ظروفاً عصيبة، والأنظمة الّتي عاشوا في كنفها لعقود، مقايضين حريّتهم مقابل ولائهم المطلق لها، تتهاوى، وإن أبقوا على التّحالف معها لكان مصيرهم مصير اليزيديّين أو مسيحيّي العراق. إنّ تنظيم "داعش" يتمدّد، تنافسه تنظيمات جهاديّة أخرى، تحملها موجة تكفيريّة لا تؤمن لا بالتنوّع ولا بالتعدديّة، فلا مكان للأقليّات في قاموسها، سوى أنّها أداة في حربها الإعلاميّة. أمّا خيار الركون إلى القانون الدوليّ، الّذي وجد لحماية الضعفاء، فلا أحد يرعاه أو يضعه موضع التّنفيذ. وإنّ الحرب على الإرهاب، الّتي يخوضها تحالف دوليّ عريض، تسير ببطء شديد لا بل تتعثّر. وفي هذا الوقت، النار المذهبيّة تستعر وسط هذا البركان، ويعلمون أنّهم الحلقة الأضعف.
إنّ حادثة قلب لوزة في ريف محافظة إدلب السوريّة، الّتي أودت بحياة 20 مواطناً من طائفة الموحّدين الدروز على يدّ عناصر من جبهة النّصرة، في 11 يونيو/حزيران من عام 2015 كانت بمثابة زلزال، وأثارت غضباً ورعباً لدى أبناء هذه الطائفة، الّذين لا يتجاوز عددهم 3 في المئة من الشعب السوريّ. إنّ النّظام السوريّ انسحب في شكل مفاجىء من إدلب من دون مقاومة تذكر، فهم دفعوا ثمن هذا الإنسحاب في شكل أو في آخر. وصحيح أنّ حادثة قلب لوزة قد تكون فرديّة، غير مخطّط لها، وصحيح أنّ جبهة النّصرة سارعت، وفي شكل غير مسبوق، أن استنكرت الجريمة وشجبتها، ولكن صحيح أيضاً أنّ هذه الحادثة أظهرت هشاشة وضع الأقليّة الدرزيّة، خصوصاً أنّ السيناريو يمكن أن يتكرّر في أيّ مكان آخر من بلاد الشام. وإنّ الأنظار اليوم مشدودة إلى محافظة القنيطرة المتاخمة لهضبة الجولان، فهناك يحاصر مقاتلو المعارضة السوريّة قرية حضر الدرزيّة منذ آذار/مارس 2015. وقال أحد العارفين بالواقع الدرزيّ لـ"المونيتور": إنّ سيناريو إدلب يمكن أن يتكرّر في حضر أيّ قد ينسحب النّظام تاركاً الدروز وحيدين في المعركة.