يدور صراع خفيّ في بيروت، بين كلّ من تركيا وأرمينيا، حول مسألة الاحتفالات في الذكرى السنويّة الأولى للمجازر الأرمنيّة، وتحديداً حول موقف السلطات اللبنانيّة من الموضوع برمّته عموماً، ومن الاحتفالات المختلفة التي تقام للمناسبة خصوصاً.
فلجهة الوقائع، معروف أنّ لبنان يضمّ طائفة أرمنيّة كبيرة، قد تكون الأهمّ بين شتات الدياسبورا الأرمنيّة، إذ يبلغ عدد الأرمن اللبنانيّين نحو 150 ألف نسمة، وهم يملكون حضوراً فاعلاً جدّاً في الاقتصاد اللبنانيّ، فضلاً عن مشاركتهم في النّظامين السياسيّ والدستوريّ اللبنانيّ، بحيث تحفظ لهم حصّة وزاريّة دائمة تتراوح بين وزير أو اثنين، بحسب حجم الحكومة، إضافة إلى ستّة مقاعد نيابيّة مخصّصة لهم، أربعة منها في العاصمة بيروت، حيث يتجمّع العدد الأكبر من الأرمن اللبنانيّين. والأهمّ أنّ الطائفة الأرمنيّة اللبنانيّة، بمذهبيها المسيحيّ الأرثوذكسيّ والمسيحيّ الكاثوليكيّ، لا تزال تحافظ بقوّة شديدة على جذورها الأرمنيّة، فتعلّم لغتها الخاصّة في مدارسها الخاصّة، وتنتمي أكثريّتها سياسيّاً إلى أحزابها الأرمنيّة الخاصّة بها أيضاً، وتعيش مجموعات كبيرة منها في أماكن جغرافيّة تشكّل أكثريّتها، كما في بعض أحياء بيروت وساحل المتن الشماليّ في جبل لبنان، الملاصق لبيروت. وهكذا، تشكّل الطائفة الأرمنيّة اللبنانيّة حالاً خاصّة في انخراطها ضمن المجتمع اللبنانيّ من جهة، وفي احتفاظها بذاكرتها التاريخيّة من جهة أخرى، كجماعة جاءت إلى لبنان نتيجة الاضطهاد الّذي لحقها من قبل الأتراك قبل مئة سنة، ودفعت ثمنه مجازر ومآسي ومحاولات إبادة لشعوبها.