لم ينجح لبنان بمكوّناته المختلفة في انتخاب رئيس وفق الأحكام والمهل المحدّدة في الدستور. اختار الفراغ. ذهب إليه بنوع من العدميّة. ومن سخرية القدر، أنه ذهب إلى الفراغ تحت عنوان الميثاقيّة. كأن الفراغ قدر البلد الصغير الذي غاب عنه التوافق وأصبح من جرّاء ذلك مادة وساحة لصراعات الكبار. الفريق الذي قاطع جلسات الانتخاب ولجأ إلى التعطيل فعل ذلك كما ادّعى حرصاً على الميثاقيّة. والمقصود هنا توافق الطوائف في ما بينها حول موضوع ما. بمعنى آخر انتخاب رئيس للجمهوريّة محكوم بتوافق الطوائف، أي بتوافق زعمائها عملياً. وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أن الصفة التمثيليّة للكتل ولزعمائها هي أصلاً في أزمة مشروعيّة، كونها منبثقة عن قانون انتخاب مجحف يشكّل الطعنة الأولى للميثاقيّة إذ لا يؤمّن تمثيلاً عادلاً للطوائف لا سيّما الطائفة المسيحيّة ولا يراعي قاعدة المناصفة وهي إحدى ركائز الميثاقيّة.
صحيح أن الميثاقيّة هي القاعدة التي يقوم عليها العقد الاجتماعي وهو في الأساس الميثاق القائم ما بين مكوناته، وهذه حال البلدان التعدّدية كافة. لكن صحيح أيضاً أن التجسيد الأول لهذه الميثاقيّة هو الدستور بأحكامه وأصوله وما يلحظه من آليات لحسم الخلافات الداخليّة وتسيير عمل المؤسسات وتلافي الفراغ. من هذه الزاوية تحديداً، فإن عدم إجراء الانتخابات هو في حدّ ذاته تعدٍّ على الميثاقيّة وليس العكس.