في بلد منقسم بعمق وتعتمد أحزابه الرئيسيّة في تجديد شرعيّتها على سياسات الهويّة، تكون المواسم الانتخابيّة فرصة للتعبئة الإثنيّة والطائفيّة وتعبيراً عن الانقسام السياسي. ويتنامى الميل إلى تبنّي سياسات متشدّدة من قبل تلك الأحزاب التي تقدّم نفسها كحامية للجماعة الطائفيّة أو الإثنيّة. ويبالغ الزعماء الرئيسيّون في مواقفهم الصداميّة، بحيث يتحوّل الموسم الانتخابي إلى ما يشبه الصراع عند الهاوية. وهو ما يحدث اليوم في المواجهة بين رئيس الوزراء نوري المالكي ورئيس البرلمان أسامة النجيفي من جهة، وبين المالكي ورئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني من جهة أخرى. والأمر يتعدّى تعبئة القواعد الانتخابيّة إلى محاولة الإعداد لمرحلة التفاوض ما بعد الانتخابات. فالتشدّد الراهن ينمّ عن شعور بأن لا قيمة سياسيّة للمرونة ولخسارة أوراق الضغط في هذه المرحلة. لقد تحوّلت الانتخابات في العراق إلى مقدّمة لعمليات تفاوض شاقة على توزيع المواقع والمناصب الرئيسيّة، يحاول كلّ طرف أن يستعدّ لها بتجميع أوراق الضغط على خصومه.
مع ذلك، يبدو أن التصعيد الراهن قد يتجاوز الحسابات الانتخابيّة ويهدّد وجود النظام السياسي الذي أقيم في العراق بموجب دستور 2005. فرئيس الوزراء أعلن في كلمته الأسبوعيّة في الخامس من آذار/مارس الجاري أنه يعتبر مجلس النواب "منتهياً" ولا يتمتّع بالشرعيّة، محملاّ رئيس البرلمان مسؤوليّة "المخالفات الدستوريّة والقانونيّة" التي حوّلت البرلمان إلى مؤسسة تقوم بـ "تعطيل عمل الحكومة". وذهب المالكي إلى حدّ دعوة النواب إلى عدم حضور جلسات البرلمان ما دام رئيسه يصرّ على عدم طرح الموازنة على التصويت. وأعلن أنه سيقوم بالصرف من الموازنة من دون انتظار موافقة البرلمان في أول تهديد من نوعه، مضيفاً أنه قدّم طعناً بسياق عمل البرلمان إلى المحكمة الاتحاديّة.