شهدت المنطقة في السنوات الأخيرة نماذج متعدّدة من حكم الأحزاب الدينيّة التي تواجه عادة أزمات في تعاملها مع النموذج الديمقراطي للحكم، ما جعل بعضها يسقط كالنموذج المصري أو يواجه تحديات كبيرة في ملفات مهمّة متعلقة بالقيم الديمقراطيّة مثل حقوق الإنسان والحريات العامة. لماذا الأحزاب الدينيّة عاجزة عن التعامل مع الديمقراطيّة؟ وهل أسباب هذه المشكلة ترجع لمجرّد عدم توفّر الخبرة الكافية في الحكم أو إلى وجود أمور جوهريّة أخرى ترتبط بالبنى الفكريّة والأيديولوجيّة للأحزاب الدينيّة؟
تاريخياً، واجهت المجتمعات الشرق أوسطيّة النموذج الديمقراطي للحكم بشكل مفاجأ، ما أدّى إلى حدوث صدمة كبيرة لديها بخاصة لدى مفكّريها. أما الديمقراطيّة في الغرب فأتت بشكل تدريجي وعلى مدى قرون متتالية من التنظير المعرفي من قبل مفكّري عصر التنوير وما بعد ذلك، والذي رافقه تراكم كبير للتجارب البشريّة. إلى ذلك، فقد توفّر بعض من الديمقراطيّة منذ العصور الوسطى في المجتمعات الأوروبيّة، منها لا بل أهمّها (مقارنة بالشرق الأوسط) الفصل النسبي للسلطة السياسيّة عن السلطة الدينيّة في نماذج مختلفة من أنظمة الحكم في أوروبا.