وليد ح. خريج معهد الفنون للموسيقى في سوريا. قبل أيام فقط أتمّ التاسعة والعشرين من عمره. قبل نزوحه إلى لبنان منذ ستة أشهر، كان يقيم في عشوائيات المزّة في دمشق. لا يعرف بالتحديد من هو المسؤول عن معاناة نزوحه، سوى أنه صار في الآونة الأخيرة يخاف من كلّ شيء في سوريا، من المعارضة التي ترفع شعار إما معنا أو ضدّنا ومن النظام المتضخّمة لديه ذهنيّة الأجهزة الأمنية التي تعمل وفق نظريّة "أنت متّهم حتى يثبت العكس".
وذات صباح، أيقظه صوت الفنانة اللبنانيّة فيروز الذي يعشق السوريّون سماعها في صباحاتهم، وقرّر فجأة ترك اللاشيء الذي يملكه في سوريا والنزوح إلى لبنان. حمل معه فقط هويّته وقيثارته وحقيبة ثياب غير ممتلئة وألفي ليرة سوريّة. وعند المساء، توسّد حقيبته ونام على رصيف شارع الحمرا في بيروت. اليوم، بعد ستة أشهر من عمر نزوحه، صار يملك غرفة في عشوائيات حيّ الأوزاعي في الضاحية الجنوبيّة لبيروت. يقول "لم يتغيّر شيء، نحن ما زلنا نحن: مواطنو العشوائيات العربيّة". معدّل إنتاجه اليومي بدل الموسيقى التي يقدّمها لاستجداء مارة على أرصفة شوارع راقية في بيروت، هو 20 دولاراً أميركياً. ويشير وليد إلى أن "اللبنانيّين لا يحبّون الموسيقى، لكن لديهم رغبة جامحة بالاستهلاك. وأنا أستفيد من نزعتهم هذه". قلما تلتقي عيون وليد بمانحيه "صدقة" لقاء موسيقاه. فهو لا يرفع عينيه عن أوتاره، فيما من يتبرّع من المارة الذين يضعون "فراطة" من الليرات اللبنانيّة في قبّعته التي طرحها أمامه، لا ينظرون إليه بل إلى المارة العابرين بجانبه (!!).