لم يسبق في تاريخ الشيعة أن يحظى أحد حوزاتها موقعاً مركزياً للطائفة كلها حيث تستقطب إهتمام التجمعات الشيعية في أقصى انحاء العالم وتنتج الفكر الرسمي الشيعي لمدى قرون، مثل ما حدث لحوزة النجف في القرون الثلاثة الاخيرة؛ فكانت فاتيكاناً للشيعة، تصدر منها أهم القرارات المصيرية للطائفة وتحولت المدارس الدينية الأخرى فروعاً لها يرأسها علماء خريجين من النجف، فأصبحت مؤسسة رسمية ذات فروع وارتباطات واسعة النطاق تدير الشأن الديني وقسماً كبيراً من الشأن الاجتماعي والسياسي للطائفة الشيعية. هذا كله قبل افول نجم حوزة النجف إثر الضغوط السياسية التي واجهتها في عهد صدام؛ وقد تزامن ذلك مع انتصار الثورة الدينية في ايران مما سبب انتقال قسم كبير من المخزون الانساني والرأسمال الرمزي للطائفة الشيعية الى قم، بعد ما كانت مجرد فرع للنجف تمهد الطلاب في المراحل الابتدائية للدروس الدينية للالتحاق بالنجف لاحقاً.
وقد ظهرت الملامح الاولية للصراع بين المدرستين قبل ذلك، حين انتقل الخميني الى النجف منفياً من ايران، إثر اشتعال الجذوة الأولى من الثورة في منتصف القرن الماضي. وفي أول لقاء جرى بين الخميني والسيد محسن الحكيم الذي كان المرجع الحصري للشيعة آنذاك، وصف الحكيم طريقة الخميني بالمتهورة وردّ عليه الأخير بوصف سلوكه الاجتماعي والسياسي بالمتهاون. ولم يحظ الخميني باهتمام محوري في النجف، وقد بدأ تدريجياً ملامح صراع بين اتباعه الثوريين والتيار النجفي التقليدي والذي قد ترأسه السيد ابوالقاسم الخوئي بعد وفاة الحكيم.