فيما تستعد أنقرة لاستقبال البابا فرنسيس بين 28 و30 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، أوردت وسائل الإعلام التركية باستهجان أن الشؤون التركية لا تحتل على ما يبدو الأولوية في مفكّرة الحبر الأعظم. فقد علّقت صحيفة "ميلييت" بنبرة غضب: "كان واضحاً أن البابا اختار الكلام عن ‘البطريركية المسكونية’ و‘القسطنطينية’ وليس عن تركيا"، لدى الإشارة إلى وجهة زيارته المقبلة. أوهام العظمة هي التي تدفع تركيا إلى الاعتقاد بأنه على الزعيم الروحي لأكثر من مليار كاثوليكي حول العالم أن يرى حاجة ملحّة إلى إجراء مباحثات في أنقرة بعد عام ونصف العام على تسلّمه سدّة البابوية وقبل زيارة معظم البلدان ذات الأكثرية من السكّان الكاثوليك. واقع الحال هو أن زيارته إلى العاصمة التركية ليست أكثر من مجرد بادرة مجاملة لا بد منها تجاه البلد حيث تقع الوجهة الحقيقية للحبر الأعظم، البطريركية المسكونية للقسطنطينية.
لطالما كانت البطريركية في صلب سوء فهمٍ عميق بين تركيا والغرب. ففي حين أن الفنار، وهو الاسم الذي يُطلَق على البطريركية نسبةً إلى موقعها في حي الفنار في القرن الذهبي، ليست بالنسبة إلى عدد كبير من الأتراك أكثر من أسقفيةٍ لحفنة من اليونان الذين لا يزالون يقيمون في اسطنبول، تحتفظ بأهمية كبيرة جداً لثلاثمئة مليون مسيحي أرثوذكسي حول العالم. كما أن أهميتها بالنسبة إلى المسيحية تعزّزت من جديد خلال الأعوام الخمسين الماضية، في إطار المساعي التي يبذلها البطاركة والبابوات منذ العام 1964 من أجل تحقيق الوحدة بين الكنيستَين الأكبر في العالم اللتين انفصلتا قبل نحو ألف عام. وقد تكثّفت تلك الجهود مؤخراً برعاية البطريرك الحالي برتلماوس والبابوات في الفاتيكان، يوحنا بولس الثاني ومن ثم بينيديكتوس والآن فرنسيس.