لطالما تغنّى لبنان، وعن وجه حقّ، بأنّه بلد المبادرة الفرديّة، إذ كان منذ استقلاله في العام 1943ه، وخصوصاً في فترة العقود الثلاثة التي تلت الحرب العالميّة الثانية عنواناً للاقتصاد الحرّ وقبلة للمستثمرين والشركات الأجنبيّة الّتي رأوا فيه المدخل الأنسب لأسواق الشرق الأوسط والخليج. ويعود ذلك إلى موقعه الجغرافيّ وشروطه المناخيّة وانفتاح مجتمعه وبيئته الاقتصاديّة الصديقة للأعمال. ولا شكّ في أنّ ما عزّز هذا الدور عوامل عدّة، منها القطاع الخدماتيّ المتطوّر، خصوصاً على الصعد السياحيّة والمصرفيّة والصحيّة، إضافة إلى القطاع التربويّ الفاعل الذي يواكب تطوّر الاقتصاد، عارضاً على سوق العمل الخبرات الملائمة. ولطالما عرف عن اللبنانيّين أين ما حلّوا في العالم أنّهم مبادرون خلاّقون فتألّق منهم كثيرون، خصوصاً هؤلاء الذين حظيوا بالبيئة المناسبة لاحتضان إبداعهم وتوقهم إلى المبادرة والإنجاز.
إنّ الأمور تراجعت بعض الشيء مع اندلاع الحرب الأهليّة في منتصف سبعينيّات القرن الماضي. ثمّ عادت وتحسّنت في فترة إعادة الإعمار التي امتدّت من منتصف التسعينيّات إلى عام 2005، حيث كادت بيروت تعود إلى دورها الجاذب للاستثمار والقادر على المنافسة، خصوصاً في ظلّ الصعود الإقتصاديّ لدول الخليج خارج منظومة إقتصاد النّفط الريعيّ. إلى أن عادت الأمور وانتكست مع تدهور استقراره الأمنيّ والسياسيّ، نتيجة انكشاف ساحته على الصراعات الإقليميّة، فجمّدت الإصلاحات ودخل الإقتصاد حال شبه ركود منذ عام 2011. والسؤال: هل لبنان يقدر على أن يكون مجدّداً قابلاً للاستثمار وبيئة حاضنة للأعمال والمبادرات؟