دمشق - لا يمكنك إلاّ أن تبتسم حين ترى شرطيّ المرور السوريّ، يقف خلف رادار السرعة الإلكترونيّ، يضبط السيّارات التي تسير الناهبة على طريق بيروت-دمشق بسرعة جنونيّة، تتخطّى بكثير حدود السرعة القصوى التي تشير إليها لوحة جديدة إلى جانب الطريق. تصير ابتسامتك ضحكة عريضة، حين يخبرك السائق الذي يقلّك من العاصمة اللبنانيّة إلى تلك السوريّة، بأنّك تجتاز الآن بالذات وسط منطقة الزبداني، المنطقة التي يتواجد فيها مسلّحو المعارضة من جهّتي الطريق الدوليّة، وإن كانت وحدات الجيش السوريّ قد تمكّنت من إبعادهم مئات الأمتار عنها. تفكّر فوراً في الطلب من السائق مضاعفة سرعته، فيما يسجّل الشرطيّ أرقام السيّارات المخالفة!
قد تكون مسألة رادار السرعة هذه مدروسة ومقصودة، بعد دقائق قليلة على دخولك الأراضي السوريّة. فهي أفضل عنوان لإفهامك بأنّ الدولة السوريّة في خير، وأنّك تدخل الآن نطاق دولة ذات سيادة كاملة، حتّى على سرعة مرورها، أيّاً كانت سرعة التحوّلات التي شهدتها منذ ثلاثة أعوام ونصف. قبل ذلك بقليل، وعند اجتيازك الحدود في نقطة المصنع، تكتشف للمرّة الأولى منذ اندلاع الحرب السوريّة، أنّ قرار السلطات اللبنانيّة وقف دخول السوريّين إلى لبنان، جدّي نسبيّاً هذه المرّة. فللمرّة الأولى، غابت طوابير السوريّين الطويلة عند نقطة الدخول إلى لبنان. يخبرك أحد العسكريّين المولجين إنجاز معاملات الدخول والخروج، أنّ القرار بات مطبّقاً بصرامة كاملة. ممنوع دخول أيّ سوري بصفة نازح جديد، إلاّ في الحالات الإنسانيّة الاستثنائيّة القصوى، وممنوع دخول أيّ سوري مسجّل كنازح في لبنان، إذا تبيّن أنّه غادره وعاد إلى سوريا في شكل طبيعيّ، ويحاول العودة الآن مجدّداً إلى بيروت. ففي ذلك، دليل على أنّه ليس "نازحاً"، إلاّ أنّه يحاول الاستفادة من تقديمات الهيئات الدوليّة التي تساعد أصحاب هذه الصفة، والذين تخطّى عددهم المليون نسمة في لبنان. القرار متشدّد، يخبرك الأمنيّ، حتّى أنّ عمّال البناء والعمّال الموسميّون الذين اعتادوا تاريخيّاً التنقّل بين سوريا ولبنان، باتوا يخضعون إلى تدابير دقيقة، تدابير يحكى الكثير هنا، خارج المكاتب الأمنيّة، وعلى الطريق وبين مواقف السيّارات، أنّ لا شيء يخرقها إلاّ فساد بعض العناصر الأمنيّين!