بعد منتصف سبعينيات القرن الماضي حين اشتدت المطالبات بإنصاف المرأة كي تنال حقّها الطبيعي في مختلف مناحي الحياة العراقيّة، السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والعسكريّة، صدرت حزمة قرارات متّسقة مع هذه المطالبات. وعلى سبيل المثال تعديلات قانون الأحوال الشخصيّة الذي منح المرأة حقّ إقامة دعوى التفريق (الطلاق) ومنع الرجل من الزواج بامرأة ثانية إلا بموافقة خطيّة من الزوجة الأولى، كذلك فتح باب التطوّع أمام المرأة في سلك الشرطة وقوات الجيش ليصبح من الطبيعي أن يرى العراقيّون النساء كضابطات في الجيش والشرطة.
لكن الربع الأخير من القرن الماضي شهد نكوصاً ملحوظاً في تقدّم المرأة العراقيّة، وأصبحت العودة إلى بيت الحريم إحدى معالم تلك المرحلة. فقد انطفأت شعلة العمل السياسي والمدني بعد أن تعرّضت لهجوم شرس من قبل نظام الرئيس الراحل صدّام حسين تُرجِم بملاحقة قيادات الأحزاب اليساريّة والدينيّة وقواعدها. كذلك حشر الوضع الاقتصادي المتردّي الذي نجم عن الحصار الاقتصادي الذي فرضه مجلس الأمن على العراق إثر دخول قواته الكويت، المرأة بين خيارَين، أحلاهما مرّ. والخياران هما إما المكوث في البيت والتفرّغ للأعمال المنزليّة وتربية الأطفال، وإما الاستمرار في الوظيفة الحكوميّة التي أصبحت مرتباتها الشهريّة لا تكفي لسدّ أجور المواصلات، ما اضطرّ معظم النساء إلى الرضوخ للخيار الأوّل.