لم يعرف أهالي بغداد التشدّد الديني ضدّ حريّاتهم العامة قبل عقدَين من الزمن، قبل أن يبدأ الرئيس العراقي الراحل صدام حسين حملته الإيمانيّة في ائتلاف واضح مع المتطرّفين الدينيّين محاولاً الحصول على شرعيّة جديدة لحكمه الاستبدادي. وحين سقط الديكتاتور، حاولت المدينة المنكوبة أن تحصل على حرياتها المغتصبة بفتح المقاهي والحانات وسائر محلات الاستجمام. ولكن سرعان ما ظهرت فوضى الجماعات المسلحة التي جعلت من تلك المحلات أهم نقاط استهدافها، معتبرة إياها من رموز الفسق والغزو الثقافي الغربي. ولم تنجح محاولات تنظيم وتقنين تلك المحلات من قبل دولة القانون، في استهدافها، إذ لم تقدّم الحكومة العراقيّة أي نوع من الحماية لهم في مقابل التزامهم بالقانون وحصولهم على إجازات رسميّة تبيح لهم العمل.
يتكرّر استهداف محلات الخمور في بغداد بشكل مستمرّ، ضمن عمليات محترفة تقوم بها جماعات مسلحة مجهولة الهويّة في وضح النهار. وعادة ما يتمّ قتل جميع العاملين في المحلّ بشكل مفجع، وتنشر مقاطع من مصوّرة من تلك العلميات مباشرة على شبكة الإنترنت، مرفقة بأناشيد ثوريّة ذات مضامين تشفّي وتهديد لمنتهكي الشريعة الإسلاميّة. وقد تصاعدت تلك الهجمات مع حلول شهر رمضان لتشمل بعض المقاهي في مناطق مختلفة من بغداد، وقد اتهمت بمخالفة الدين والأخلاق والأعراف الاجتماعيّة.