خلال العقود الأربعة الأخيرة، شهد لبنان تحوّلات بنيويّة في اجتماعه السياسي والديموغرافي. لكن التحوّل الأبرز من بينها كلها، حصل داخل بنية الطائفة الشيعيّة في لبنان. خلال الجمهوريّة الأولى (1943 – 1989)، كان الشيعة في لبنان طائفة مهمّشة اجتماعياً واقتصادياً إلى حدّ كبير. اعتمد اقتصادهم على زراعة التبغ الذي كانت الدولة اللبنانيّة تشتري محصوله من المزارعين بأسعار بخسة. وفي تلك الفترة، جرت أكثر من "انتفاضة" واحدة قام بها مزارعو التبغ لتحسين شروط تعامل الدولة مع محاصيلهم.
مع نهايات ستينيّات القرن الماضي، برز داخل الطائفة الشيعيّة شيخ جاء إلى مدينة صور (أكبر مدن الشيعة اللبنانيّين في الجنوب) من إيران، وهو الإمام موسى الصدر. وكان لافتاً أن من احتضن وفادته هم موارنة لبنان، وقد وفّرت له جامعة الروح القدس في الكسليك فرصة إلقاء محاضرات عن التعايش الديني من على منبرها. ثم سهّل الرئيس فؤاد شهاب الشخصيّة المارونيّة الأكثر احتراماً في لبنان، منحه الجنسيّة اللبنانيّة. وكان اللواء شهاب الذي وصل إلى رئاسة الجمهوريّة من منصب قيادة الجيش اللبناني، إصلاحياً بامتياز. ففي عهده جرى وضع معظم قوانين تحديث النظام اللبناني وخطوات تركيز أسس الدولة. وأراد شهاب آنذاك من خلال احتضان الصدر، الوصول إلى فكرتَين، أولاهما توفير فرصة للشيعة للخروج من منطق أنهم طائفة مهمّشة إلى المواطنيّة، وذلك عبر تشجعيهم على الانخراط في معادلة النظام السياسي اللبناني من خلال "المشاركة". أما الفكرة الثانية فقد توسّلت فكّ ارتباطهم بالأحزاب اليساريّة، إذ إنه في تلك الفترة كانت معظم المادة الاجتماعيّة لهذه الاحزاب تتشّكل من الشيعة الذين التجأوا إليها كتعويض عن إهمال الدولة لهم.