على مدى عامين من الحرب الأهلية السورية، كان ثمة إجماع من القوى الدولية كما من الأطراف الداخلية، على أن خطراً وجودياً يهدد أقليات تلك البلاد، وفي طليعتهم المسيحيون. لكن رغم الوقائع الكثيرة المؤكدة لهذا التخوف، ورغم التحذيرات والاستنكارات من كل الجهات، بدا وكأن المحظور يتحقق على أرض سوريا. لماذا؟ ربما لأن مأساة مسيحيي سوريا مرتبطة، لا بدوافع دوغماتية أصولية وحسب، بل بحسابات جيو – استراتيجية أيضاً.
في جردة بسيطة وسريعة للمواقف المنددة باستهداف المسيحيين السوريين، يتضح أنه الأمر الوحيد ربما الذي تقاطع الموالون للنظام كما المعارضون له على تأكيده، مع استخدامه في حربهم الإعلامية المتبادلة، أوحتى في إطار نقدهم الذاتي واعترافاتهم بالأخطاء والارتكابات. النظام من جهته لديه تاريخ طويل في تقديم نفسه "حامياً" للأقليات. بحجة أنه من تركيبة حزبية "علمانية"، وأنه كان طيلة عقود على صراع دموي دائم مع الجماعات الإسلامية المتشددة. وفي المعارضة حاول مسؤولوها منذ البداية مراعاة هذا الجانب والتخفيف من الطابع الإسلامي الجهادي الطاغي على فريقها. فكانت محاولات دائمة لتقديم وجوه غير سنية. مثل انتخاب عبد الباسط سيدا، وهو كردي، رئيساً للمجلس الوطني السوري، ومن ثم المسيحي جورج صبرا. أو حتى اختيار كردي آخر، هو غسان هيتو، رئيساً لحكومة الفريق المعارض، من قبل الإخوان المسلمين. غير أن ذلك كله لم يخفف من حالة الذعر لدى الأقليات الدينية السورية، وخصوصاً المسيحيين منهم. ولم يكن ينقص هؤلاء غير سيطرة "جبهة النصرة"، المرتبطة بتنظيم القاعدة، على محاور عدة من جبهات القتال، وفرضها حكماً إسلامياً بحسب الشريعة السنية الأكثر تشدداً، لتتحول الأمور على الأرض إلى نوع من الاضطهاد الديني، في ظل خيارات تتراوح بين التطهير والإبادة والترانسفير.