قبل أن يكتشف مهاراته وقدراته الدراسيّة، يجد الطالب نفسه مجبراً على الاختيار بين الفرعين العلميّ أو الأدبيّ في مدارس التّعليم العالي، فلا يقدّم إليه النّظام التعليميّ أو الإجتماعيّ وصفاً دقيقاً وعلميّاً للفرق بين الفرعين – العلميّ والأدبيّ- فتؤدّي الأسرة والأقران دوراً رئيسيّاً في تكوين سرديّة إجتماعيّة تعتمد على ثنائيّة: الفرع العلميّ للطلاّب ذوي التّحصيل الدراسيّ العالي، والفرع الأدبيّ للطلاّب ذوي التّحصيل الدراسيّ الأقلّ. ويتماشى الطالب مع هذا التّصنيف المشوّه، ويستمرّ في دفع ضريبة هذا التّضليل في المرحلة الجامعيّة وفي سوق العمل بعد ذلك، حيث أنّ الطالب يختار تخصّصه في الغالب بناء على السرديّات والكلاشيهات الإجتماعيّة المحليّة السائدة، وليس نتيجة معرفته بميوله العلميّة أو قدراته المهاريّة والذهنيّة. ونتيجة لهذا التّضليل الإجتماعيّ، تضليل الأسرة والأقران، يجد الطالب نفسه تائهاً في تخصّص لم يكن ليختاره يوماً لو كان هذا الاختيار واعياً وقائماً على معرفة بقدراته ومهاراته الحقيقيّة من جهة، وبطبيعة التخصّص وسوق العمل الّذي سينتهي إليه بعد التخرّج من جهة أخرى، يشكل هذا التوصيف اشكالية لا تقتصر على قطاع غزة ولا حتى على فلسطين فحسب بل تمتد لتشمل أغلبية البلدان العربية.
ويمكن أيضاً إسقاط هذا التّوصيف العام على خرّيجي كليّة الصيدلة وطلاّبها. وفي هذا السّياق، أشار الصيدلانيّ خليل هاشم لـ"المونيتور" إلى أنّ انتسابه إلى كليّة الصيدلة رافقه جهل تام بسوق العمل، الّذي سيتأهّل إليه بعد التخرّج، وقال: "لو خيّرت مرّة أخرى لاخترت تخصّصاً آخر بخلاف بكالوريوس الصيدلة، ففي قطاع غزّة شهادة بكالوريوس الصيدلة لا تتعدّى كونها رخصة حكوميّة للتجارة بالأدوية، وسوق العمل للصيدلانيّ محصور بين بيع أو تسويق المستحضرات الطبّية، في ظلّ توقّف عمليّة التّوظيف الحكوميّة في المؤسّسات التّابعة للسلطة الفلسطينيّة في قطاع غزّة بسبب الخلاف السياسيّ بين حركتي "فتح" و"حماس" وتوقّف عدد كبير من مصانع تحضير الأدوية بسبب الحصار الإسرائيليّ على قطاع غزّة. الحلّ الوحيد أمام الصيدلانيّ هو امتلاك صيدليّة عامّة، ومشروع امتلاك صيدليّة تبلغ تكلفته من 20-40 ألف دولار أميركيّ، ومن المستحيل أن يتملك هذا المبلغ صيدلانيّ تخرّج حديثاً"