في شهر نوفمبر الماضي انتهت في السعودية المهلة التصحيحية التي منحتها الحكومة للعمالة الوافدة المخالفة لأنظمة الإقامة أو العمل. لتبدأ مع نهاية المهلة حملة جديدة للتفتيش عن أي عمالة متبقية مخالفة للأنظمة. خلال المهلة بلغت أعداد الذين غادروا أو تم ترحليهم من العمالة المخالفة أكثر من مليون وافد، كما تم تصحيح وضع أكثر من 3 ملايين منهم. وفي نفس الفترة – أي خلال أقل من سنة - تم توظيف أكثر من 250 ألف مواطن بالقطاع الخاص، وأكثر من 700 ألف مواطن خلال الثلاث سنوات الماضية، وهو رقم قريب من إجمالي السعوديين الذين كانوا يعملون في القطاع الخاص قبل أربع سنوات، أي قبل بدء مشاريع إصلاح سوق العمل الذي بدأته وزارة العمل في السنوات القليلة الماضية. نهاية المهلة وبدء حملة التفتيش واستمرار التشريعات والقوانين التي تسنها وزارة العمل لإصلاح هيكل سوق العمل وتقليل تدفق العمالة الرخيصة الوافدة، والدفع لإدخال أعداد أكبر من المواطنين للعمل في القطاع الخاص، كلها تصب في اتجاه تغيير جذري في شكل الاقتصاد السعودي، لن يقتصر تأثير هذا التغيير على النواحي الاقتصادية فحسب، وإنما سيكون له آثار ممتدة على النواحي الاجتماعية والسياسية.
بدأ تدفق العمالة الوافدة بشكل متزايد في منتصف السبعينات، بالتزامن مع بداية الطفرة النفطية الأولى التي وفّرت للدولة الموارد الكافية لتنفيذ مشاريع ضخمة في البنية التحتية. كما أن الدولة استغلت تدفق العمالة الوافدة كأحد وسائل توزيع الثروة، خاصة على سكان مدن الأطراف. فبالإضافة إلى الوظائف الحكومية التي كانت تمثل القناة الرئيسية لإعادة توزيع عوائد النفط بين المواطنين، كان استقدام العمالة الوافدة الرخيصة وسيلة فعّالة للحصول على دخل معقول بالنسبة إلى كثير من المواطنين، خاصة لمن لم تتسنّ له فرصة الحصول على وظيفة حكومية، حيث استغل كثير منهم سهولة استقدام العمالة من أجل جلبهم إلى المملكة وإعادة تأجيرهم لمؤسسات أو شركات أخرى، أو من خلال ترك العامل حرّا في البحث عن مصادر رزقه مقابل دفع مبلغ ثابت لكفيله الذي استقدمه. وأخيرا كان البعض يستقدم العمالة ويوفر لها الرخص اللازمة لتأسيس منشأة تجارية يديرها الوافد بشكل كامل ويقوم بدفع مبلغ ثابت لكفيله. كل تلك الوسائل كانت تمثل مصادر دخل رئيسية لمئات الآلاف من الأسر السعودية.