قام رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة الأسبوع الفائت بزيارة للمملكة العربيّة السعوديّة. وعلى الرغم من أن هذه الزيارة لم تأتِ بمفاجآت "طنانة" كما كان البعض يتمنّى أو يتوقّع، مفاجآت بحجم الإعلان عن تشكيل حكومة لبنانيّة مثلاً بعد أن مضى على استقالة حكومة [الرئيس نجيب] ميقاتي أكثر من ثمانية أشهر، إلا أنها سلّطت الضوء على أمور بالغة الأهميّة.. منها ما يتعلّق بدور المملكة المتنامي على الساحة الإقليميّة على خلفيّة التحوّلات العميقة على المستوى الجيو-سياسي بخاصة في ظلّ تراجع الدور الأميركي وبروز الصراع السنّي-الشيعي، ومنها ما يتعلّق بالعلاقات الثنائيّة السعوديّة-اللبنانيّة والتي تعالج اليوم ملفات على قدر كبير من الأهميّة بالنسبة إلى البلد الصغير المثقل بصراعاته الداخليّة وبارتدادات الأزمة السوريّة على أمنه واقتصاده لا بل على ديمومته.
وأوّل هذه الملفات التي كانت حاضرة على طاولة لقاء القمّة في الرياض، أوضاع الرعايا اللبنانيّين في المملكة كما في بلدان دول مجلس التعاون. لم يعد سراً أن أوضاع هؤلاء تأثّر نتيجة تطوّرات الأزمة السوريّة وتنامي الصراع المذهبي وما رافق ذلك من تصعيد سياسيي وأمني وتهديد ووعيد وعمليات خطف وكشف عن شبكات تخريبيّة، لم تكن دول الخليج بمنأى عنها. فاضطرّت هذه الدول التي تشكّل قاطرة اقتصاديّة، إلى اتخاذ بعض التدابير الوقائيّة التي أعاقت حركة التواصل الاقتصادي والتجاري التي كانت قائمة بينها وبين لبنان الذي يعوّل وبشكل أساسي على عائدات رعاياه في الخارج. والجدير بالذكر أن التحويلات الخارجيّة تشكّل ركناً أساسياً للاقتصاد اللبناني، إذ إن نسبتها من الناتج المحلي هي من الأعلى في العالم. إذاً، لم تعد أسواق الخليج مشرّعة أمام اليد العاملة اللبنانيّة، أقلّه ليس بأكملها، وأصبحت مرتبطة بالصراع الدائر في سوريا وبسياسات حزب الله الداعمة للنظام السوري والتي تشكّل تهديداً لمصالح السعوديّة ودول الخليج. ومرّة جديدة يدفع اللبنانيّون ثمن الصراعات الإقليميّة. لكن هذه المرّة، الصراعات في خارج أرضهم ويدفع ثمنها لبنانيّون رحلوا عن أرضهم هرباً من الحرب.. وها هي تلحق بهم بتداعياتها، إلى دول الملاذ.