لبنان في حالة انتظار. لا بل حالتَي انتظار قد تدومان طويلاً وتصلان به إلى الفراغ الدستوري. فمنذ استحال التوافق الداخلي حول العناوين الأساسيّة لما يشكّل العقد الاجتماعي بخاصة في ما يتعلّق بسياسته الخارجيّة، أصبح البلد يعيش على وقع أزمات المنطقة. وتلاشى شيئاً فشيئاً دور مؤسّساته في صنع الاستقرار ورسم السياسات والخيارات الكبرى، وأسندت جرّاء ذلك هذه المهمّة إلى القوى الإقليميّة الراعية للقوى السياسيّة المحليّة. وآخر هذه الأزمات وأشدّها تأثيراً على واقعه السياسي والاقتصادي هي الأزمة السوريّة. وما الانسداد الذي يعيشه اليوم على مستوى تشكيل الحكومة وانتظام عمل المؤسّسات سوى الانعكاس الدقيق لتطوّر الأوضاع في البلد الجار وللمعادلات الإقليميّة المرافقة لها.
أوّل انتظار للبلد الصغير الذي سلّم قدره إلى لعبة الكبار، هو انتظار نتائج التقارب الأميركي-الإيراني، هذا إن أتت ولم تطح بها مصالح الذين تمّ استثناؤهم. هذا التقارب لم ينجز شيئاً بعد على أرض الواقع ولا على أي من المسارات الأساسيّة، قد يعود على لبنان بأي نفع. فهو دونه عقبات كثيرة، أوّلها تصلّب الطرف الإسرائيلي الذي لم يخفِ توتّره إزاء هذا الانفتاح وإمكانيّة رفع العقوبات الاقتصاديّة المفروضة على إيران وإن لم تتوفّر الشروط كافة التي تضمن عدم تطويرها لسلاح نووي. فراح يصعّد ويحثّ المجتمع الدولي على وجوب عدم الوقوع في الفخ. وكلام رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن "الذئب في ثياب حمل" قطع الطريق أمام الجهود الدبلوماسيّة. فضيّق هامش مناورتها، كذلك خفّض سقفها الزمني.