نظار القادة اللبنانيّين إلى أي فئة انتموا، تشخص إلى الحرب الدائرة في سوريا. كلّ يترقّب تغيّراً ولو طفيفاً في موازين القوى لمصلحته أو بشكل أدقّ لمصلحة القوة الإقليميّة المتحالف معها لدرجة التماهي التام، علّه ينعكس عليه زخماً لدوره في المعادلة الداخليّة أو إضعافاً لدور أخصامه الذين كانوا حتى الأمس القريب شركائه في الوطن. أما الطوائف وزعاماتها فمصطفّة أيضاً أو منقسمة على نفسها، موزّعة كالجحافل في المعسكرات الإقليميّة. الكلّ يلتقط أنفاسه، وينتظر الضربة الحاسمة أو الإخفاق المروّع. في هذا الوقت ينزلق البلد الصغير شيئاً فشيئاً إلى حافة الإنهيار الاقتصادي. وقد يفيق من في المنزل وليس في وقت بعيد، وقد بلغ بهم العراك المنزلي حدّ الاستنجاد بالجار الأقوى لفرض هيمنته، على حقيقة مرّة وهي: المنزل تصدّع بنيانه وتلاشت موجوداته.
وعلى الرغم من أهميّة الحدث السوري الذي أخذ أبعاداً إقليميّة لا بل عالميّة واستحوازه على سائر الاهتمامات، إلا أن لبنان شهد قبل يومَين (في الرابع من أيلول/سبتمبر الجاري) أهمّ إضراب في تاريخه الحديث . فقد اجتمعت وللمرّة الأولى في ما يشبه التحرّك الواحد، وفي يوم واحد، الهيئات الاقتصاديّة والنقابات العماليّة على الرغم من اختلاف مطالبها، كأن في ذلك إقراراً ضمنياً لدى فرقاء الإنتاج كافة بأهميّة المرحلة وخطورتها على المستوى الاقتصادي. فشؤون البلد الاقتصاديّة في وضع السائبة، إذ إن المؤسّسات المعنيّة بإداراتها وتنميتها والمحافظة عليها هي إما غائبة أو معطّلة. والحكومة مستقيلة منذ 23 آذار/مارس الماضي أي منذ ما يقارب ستّة أشهر، بينما المجلس النيابي المكلّف بالمراقبة والتشريع والمحافظة على مصالح من فوّضه لتمثيله لم يلتئم سوى مرّة واحدة منذ ذلك التاريخ وفقط من أجل تكريس طعن تلك الوكالة من خلال إلغاء الانتخابات التي كانت مجدولة خلال شهر أيار/مايو 2013 والتصويت على التمديد لنفسه.