شكّل سقوط بغداد في نيسان/أبريل 2003 سقوط حجر الدومينو الأوّل للصراع الديني في منطقة الشرق الأوسط بأكملها. وقد تبع ذلك السقوط صعود الهويّة الدينيّة المتصارعة مع نظيراتها من جهّة ومع غيرها من الهويّات الجزئيّة الأخرى في مجتمعات الشرق الأوسط. وتجدر الإشارة هنا إلى أنه حين نشر صاموئيل هانتكتون مؤلَّفه الذي أتى تحت عنوان "صراع الحضارات " في العام 1993 لم يلقَ إقبالاً جاداً، إذ لم يتوقّع أحد آنذاك أن يستعيد الشرق الأوسط تاريخ الحروب المقدّسة في القرن 21، بعد التهميش الملحوظ للعامل الديني في مجتمعات العصر الحديث بحسب ما كان يتصوّره نيتشه وماركس وآخرون من أهل الفلسفة الحديثة.
فقد فَعَّلَ سقوط بغداد القوّة الهائلة لمشاريع الأصوليات المتراكمة في خلال أكثر من قرن من الزمن في الشرق الأوسط، تلك الأصوليات التي كانت تنتقد النموذج الليبرالي الغربي بوصفه كفراً من منظور ديني أو إمبريالياً من منظور يساري، أو هذا وذاك معاً من منظور الإسلام الثوري الذي يجمع الأصوليّة الدينيّة واليساريّة. وسرعان ما انفتحت جبهات الصراع بين تلك القوى وظهر خراب العالَم على أيدي الآلهة الجدد بحسب تعبير الفيلسوف اللبناني علي حرب.