حين ترتبط الصراعات القائمة في البلد بالهويّة الدينيّة، تبرز أهميّة الرموز والعلامات والأيقونات البصريّة أكثر من أي وقت آخر. فيحاول كلّ طرف من الأطراف المتنازعة أن يحافظ على هويّته من خلال ابتداع مجموعة من العلامات بخاصة البصريّة منها والهجوم على علامات الآخر الرمزيّة. ففي تلك الأجواء، لا تبقى صورة قائد ديني أو شخصيّة سياسيّة ما مجرّد صورة، بل تحمل هويّة طائفة أو فريق بأكمله. وفي هذا السياق يمكن فهم ما حدث من صراع حاد ما بين نوّاب في البرلمان العراقي حول رفع صور الإمامَين الخميني والخامنئي في شوارع بغداد.
تمثّل تلك الصور من الناحية الهرمنيوطيقيّة (التأويليّة) الصراع القائم ما بين الهويات الدينيّة في العراق. فحين تلجأ فئة من الشيعة إليها لتبرز "ظهرها القوي" في وجه التحدّي المتصاعد في خضمّ الصراع الطائفي القائم، يفهمها السنّة العرب على أنها إعلان لسقوط العروبة في العراق وإلغاء لمشروع عراق مستقلّ ومتمايز عن جواره غير العربي. فما حدث في البرلمان العراقي في 26 آب/أغسطس الماضي من مشادة كلاميّة وكذلك بالأيدي، بسبب رفع صور القادة الإيرانيّين في بغداد، لم يكن مجرّد خلاف سياسي بين قائمتَين ذات اختلاف في توجّهاتهما السياسيّة بقدر ما كانت تعبّر عن صراع العلامات والرموز في الحرب بين الهويات الدينيّة المتأزّمة في البلد.