قلة قليلة من اللبنانيين المخضرمين، لا يتذكرون اسم ألكسندر سولداتوف. فهو كان آخر سفير للاتحاد السوفياتي في بيروت. وهو في ذلك الزمن كان أكثر من سفير. ففي ذاكرة لبنان المعاصر أدوار كثيرة لسولداتوف في السياسة اللبنانية، وخصوصاً في الحروب اللبنانية بعد العام 1975. وصولاً إلى أدوار أخرى استخبارية وأمنية وحتى انتخابية. كان ذلك قبل أكثر من ربع قرن. بعده صار السفراء الروس يمرون في العاصمة اللبنانية من دون أثر يذكر لهم في الأحداث ولا في المواقف. حتى جاء السفير الروسي الحالي ألكسندر زاسبيكين، وحتى جاءت بعده خصوصاً الحرب الأهلية السورية. فصار "ألكسندر الثاني" خلفاً فعلياً لـ "ألكسندر الأول"، وعاد سفير موسكو عنصراً فاعلاً في المشهد السياسي اللبناني اليومي. والأهم أنه أعاد مع زميلته سفيرة واشنطن في لبنان، مورا كونيللي، صورة الحرب الباردة إلى قلب بيروت، عبر تراشقهما بالمواقف والسجالات. فيما اللبنانيون، على جري عادتهم، يتفرجون بمزيج من إثارة ومرارة.
هكذا إذن بدأت الحرب الباردة بين واشنطن وموسكو في العاصمة اللبنانية، بعد احتدام الحرب الأهلية في دمشق. فبعد تقليد دبلوماسي أميركي عريق في التجوال على المسؤولين اللبنانيين، من رسميين وحزبيين (يمكن قراءة أغرب أخباره في وثائق ويكيليكس) انضم السفير الروسي إلى ممارسة النهج نفسه. فبعد أشهر قليلة على اندلاع الحرب السورية، صار من السهل جداً معرفة جدول نشاط اي من زاسبيكين أو كونيللي لأي يوم مقبل. فإذا كانت السفيرة الأميركية في زيارة إلى رئيس الجمهورية اليوم، فهذا يعني حكماً أنه سيستقبل نظيرها الروسي غداً أو بعد غد. وإذا حل زاسبيكين ضيفاً على رئيس المجلس النيابي، فالطلب التالي لمقابلة المسؤول الثاني بحسب تراتبية الدستور اللبناني، سيأتي من السيدة كونيللي. حتى بدا الاثنان وكأنهما في لعبة مطاردة، او خصمان في خطة "تمريك رجل لرجل" في لعبة كرة.