يصعب تعداد الأزمات التي يعيشها لبنان في الوقت الراهن. أزمة سياسية عشية انتخاباته البرلمانية المتعثرة، وأزمة سياسية حكومية على خلفية الحرب السورية المجاورة، وأزمة اقتصادية في ظل مطالب عمالية وسلسلة إضرابات... غير أن الأزمة الأمنية تكشف عن غرائب وطرائف، خصوصاً في قضايا خطيرة مثل خطف الأشخاص وتجارة المخدرات وتمرد السجناء.
تجارة الخطف: في الحرب الأهلية اللبنانية كان الخطف والخطف المضاد من أسلحة حروب الجماعات اللبنانية المتقاتلة. بعدها منتصف الثمانينات أطل موسم خطف الأجانب الغربيين، لأسباب سياسية. لكن منذ نحو عامين، وفي شكل متزامن مع الأزمات السياسية والاقتصادية والعسكرية التي ولدتها الأحداث السورية في لبنان، انطلقت ظاهرة جديدة، هي خطف الأشخاص الميسورين، للتفاوض من أجل إطلاق سراحهم مقابل فدية مالية. وقد تحولت تلك الظاهرة في الأسابيع الأخيرة موجة شاملة ومقلقة. يكفي للدلالة على ذلك قراءة تقرير أصدرته وزارة الداخلية اللبنانية نهاية شهر شباط الماضي، يشير إلى أن القوى الأمنية أوقفت حتى تاريخه 47 شخصاً مشتبهاً بهم للتورط في أعمال خطف. علماً أن أي مرجع رسمي لم يتمكن من إعطاء رقم دقيق حول عمليات الخطف. إذ يؤكد مسؤول أمني وجود حالات عدة تبقى طي الكتمان، ويفضل ضحاياها عدم إبلاغ السلطات بها، والتفاوض سراً مع الخاطفين. وما يشجع على ذلك عجز القوى الأمنية في معظم الحالات عن تحرير المخطوفين، وحتى عجزها بعد دفع الفدية عن توقيف الخاطفين. غير أن المعلومات الرسمية المنشورة، تشير إلى أكثر من 65 حادثة خطف بدافع الفدية في لبنان في غضون سنتين. وهو رقم أولي متحفظ. لكن المستغرب في الموضوع أنه في حالات كثيرة يقال أن الخاطفين يكونون معروفين. حتى أنه في أكثر من عشر حالات، كانت الصحف تنشر أسماء المسلحين الذين يقومون بالخطف، وأحياناً معاقل اختبائهم. علماً أن السيناريو المعتمد في كل تلك الحالات هو نفسه. يتصل الخاطفون بأهل الضحية، ويطلبون فدية مالية تكون بداية بمئات آلاف الدولارات. قبل ان ينتهي التفاوض إلى ارقام متدنية، تتراوح بين بضعة آلاف من الدولارات، وصولاً إلى حد أقصى بلغ 150 ألف دولار في ثلاث حالات على الأقل، إحداها عند اختطاف صناعي، وثانية في حالة اختطاف نجل أحد التجار، وثالثة عند اختطاف طفل من عائلة غنية في 20 شباطالماضي. والأكثر غرابة أن مسؤولين معروفين يتدخلون أحياناً للتفاوض مع الخاطفين. حتى أنه في إحدى الحالات ذكرت وسائل الإعلام أن الخاطف كان حاضراً عند الاحتفال بإطلاق سراح أحد المخطوفين، الذي "حرر" بعد وساطة مسؤول سياسي.حتى أن وزيراً سابقاً أكد عبر الإعلام مرة تورط عنصر أمني في حالة خطف انتهت إلى دفع فدية كبيرة.